إنَّنِي أُعاني مُشكلةً، وأودُّ منكم مساعدتي في حلِّها، مع أنِّي أُحسُّ بأنه ليس لها حل؛ لأنَّ المشكلة الرئيسة تكمُن في طبعي، وليس باستطاعتي تغيير.
مشكلتي باختصار في تعاملي مع مَن حولي، وخصوصًا أقربائي، وأخصُّ الأهل، معاملتي لهم تعدم الاحترام، أُطيلُ الصوت وأتلفظ، مع العلم أنِّي - ولله الحمد - لا أتلفظ بالألفاظ البذيئة إطلاقًا، ولكن حينما يكسوني الغضبُ أنسى نَفْسي، وأفرغ كلَّ ما بداخلي على من هو أمامي أيًّا كان، المشكلة أنَّني أصغر أخَواتي، فعلوُّ صوتي يجمع إثمين: عقوقي لوالدتي، وعدم احترامي لمن هم أكبرُ مِنِّي.
حاولت كثيرًا أن أكتم غيظي، وأنْ أخفض صوتي قدر استطاعتي، لكن لم أنجح، فلجأت إلى الانعزال، صِرْت أجلس وحدي في غُرفتي حتىَّ أبتعد عن من هم حولي؛ فأترك الجدال الكثير، نصحوني بالتقرُّب لوالدتي، لكني لم أفلح أبدًا؛ لأن ذلك غير معتادٍ عندنا في البيت، تعبتُ كثيرًا من هذا الطبع السيئ، حاولت التغيير مرارًا، لكني أفشل، أخاف أن أموت وأنا عاقة لوالدي، وأيضًا أودُّ سلامة القلب المذكورة في قوله - تعالى -: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]؛ هذه مُشكلتي بين يديكم، فهل لها حلٌّ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
كأنك يائسة من الحلِّ، وكتبت الاستشارة دون أن تَتَوقَّعي منها أن تفيدك حقيقة، لكنَّك في نفس الوقت تشعرين بالمسؤولية، وتَخافين على نفسك، هل تَتَوقَّعين أنْ نريحك ونوافقك الرأي: إنَّه ليس بيدك التغيُّر، وإنَّه طبع؟
ماذا لو أخبرناك أنَّ الأمر ليس مُستحيلاً، وأنَّك تستطيعين أنْ تغيِّري من هذا الطبع وتروِّضيه، وإن كان ذلك يحتاج منك جهدًا ومثابرة؛ حيثُ يبدو أنَّك قد نشأت على هذه الطريقة.
المشاعر أمرها عجيب، إنْ لم تَتَحكَّمي فيها قد تتحكَّم فيك، لكن أيٌّ منها لا يُخرجُنا عن طورنا ويَجعلُنا نندم كالغضب؛ لذلك ذمَّه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بوصيته للصَّحابي الذي طَلَب الوصيَّة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أوصني، قال: ((لا تغضب))، وردَّد مرارًا، قال: ((لا تغضب))؛ رواه البخاري.
المشاعر تَتَحوَّل، وحينما نَكبِت شعورًا، فإنَّه لا بدَّ له من البحث عن مَخرج آخر ليخرج منه، فلو شعرنا بإحباط، ولم نستطع التعبير عنه، قد يتَحوَّل لغضب، كذلك لو احتجنا الحبَّ والاهتمام ولم نَجدْه فقد يتحوَّل لغضب، ولو شعرنا بالحزن أو الضعف أو العجز، كلُّها نصبُّها في الغضب؛ لنفرغ به ضغط المشاعر على قلوبنا الصغيرة.
لكنَّه تفريغ سلبي يجعلنا نخسر مَن أمامنا في النهاية، ونندم على تصرُّفنا، ونشعر أننا قد خرجنا عن طورنا؛ مما يجعلنا نترك للشيطان مجالاً أيضًا؛ لذلك أوصيك بالبَحثِ عن أسباب غَضبِك، ركزي كثيرًا؛ لتصلي لأصولها، لماذا تغضبين؟ أتشعرين أنَّ الآخرين عاجزون عن الشعور بك أو أنَّهم لا يجيدون فهمك؟ ربَّما أنت لا تجيدين التعبير عن نفسك بشكل جيد؛ مما يدفعك للغضب، وقد تكون عادة نشأتِ عليها تصلين بها لما تريدينه.
المهم أن تكوني واعية دومًا بالأسباب الحقيقية التي دفعتك للغضب، وبالشعور الأصلي الذي بَحث عن مَخرج يتنفَّس منه فلم يجد سوى الغضب.
أيضًا يَجبُ أن تشعري بالمسؤوليَّة، وأنَّك لو غضبت فإنَّك غضبت بإرادتك لم يجبرك أحد، أو يكن سببًا فيما وصلت إليه أيًّا كان؛ فغيرُك قد يتعرض لنفس المثيرات ولا يتفاعل معها بنفس النتيجة.
نعم قد تكون طبيعتك أكثر حرارة من غيرك، لكن بيدك أيضًا أن تدربي نفسك على التغلُّب على ذلك، أكثري من الاستغفار، ومن الاستعاذة بالله من الشيطان، الذي له دورٌ كبير في تأجيج الغضب.
تحتاجين أن تصححي قناعاتك أولاً؛ فإنه بيدك التغلُّب عليها دون حاجة للعزلة، فقط تحتاجين البحثَ عن البديل الذي يوصِّلُك للنتيجة التي تسعَين لها، وأيضًا تحتاجين فهم مشاعرك الباقية أكثر.
ثم بيدك أن تَتَدرَّبي على أن تعتذري كلَّما انفعلت، وتطلبي من الآخرين مساعدتك؛ لِتَجاوز هذا الطبع.
شعورك بالمسؤولية سيساعدُك كثيرًا أيضًا بإذن الله، تدربي على التنفس بطريقة صحيحة، فحينما نتنفَّس جيِّدًا؛ فإنَّنا نُصحِّح مسار الدورة الدمويَّة؛ لتسير ببطء وتُخفِّف من الغضب فسيولوجيًّا، ويحصل ذلك حينما نطفئها بالوضوء، أو بتغيير الوَضْع كما ورد في السنة.
تحتاجين أيضًا أن تبحثي عن طُرُقٍ تُعبِّرين بها عن نفسك بهدوء وثِقَة، دون أن تضطري للانفعال.
لا تحبطي مهما فشلت، كرِّري المحاولات كلَّ مرَّة، وستتغلبين بإذن الله على هذا الطبع، المهم ألاَّ تتوقَّفي عن المحاولات، اجعلي لك دفترًا ترصدين فيه تقدُّمك كلَّ يوم عن سابقه، هذا سيشجعك، وسيجعلك تواصلين حتَّى تَصِلي بإذن الله.
أيضًا ابحثي عن طريقة تَبرِّين بها أمَّك، ولو لم يكن هذا معتادًا عندكم، اكسري القاعدة، وابدئي أنت بالاهتمام بمن حولك، أشعريهم بِحُبِّك وحرصك، ولو لم يقدروه، يكفيك أن تُخرجي مشاعرك؛ حتَّى لا تتحول لغضب يُعيق ويُدمِّر فضلاً عن أن ينفع ويبني.
ولا تَنْسَيْ أثرَ الدعاء؛ فألِحِّي على الله به أنْ يعينَك على نَفْسك ويرزقك خيرها، وفَّقَكِ الله، وجعلك من الصالحات المُصلحات بإذن الله.